راشيّا 2026: صراع الزعامة الدرزية بين الجنبلاطية والداوودية على مفترق الانتخابات

بيروت ـ أحمد موسى

مع اقتراب الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2026، يبرز قضاء راشيا كواحد من أبرز ساحات الصراع على الزعامة الدرزية، حيث تتلاقى القوى العائلية والتاريخية مع التحالفات السياسية المعقدة، في معركة حاسمة ترسم مستقبل التمثيل الدرزي في لبنان.

إرث الاشتراكية والتقاليد العائلية: الزعامة الجنبلاطية

يرتكز المشهد السياسي في راشيا على إرث سياسي عميق تمثله الزعامة الجنبلاطية التي تقودها شخصية النائب وائل أبو فاعور، وريث الزعامة الاشتراكية التي أسسها وليد جنبلاط. تتميز هذه الزعامة بارتباطها الوثيق بحزب الاشتراكي اللبناني، وبقاعدة شعبية تمتد إلى خارج القضاء، ما يمنحها ثقلًا انتخابيًا هامًا.
يسعى أبو فاعور لاستثمار هذا الإرث في مواجهة التحديات الانتخابية، معتمدًا على تحالفات استراتيجية مع قوى سياسية نافذة، أبرزها حزب القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر، والتيارات المدنية المعتدلة، لتشكيل جبهة متماسكة تضمن استمرارية نفوذ الزعامة الجنبلاطية.

الزعامة الداوودية البيكاوية: التمسك بالموروث في وجه التجديد

في الجهة المقابلة، تبرز الزعامة الداوودية البيكاوية بقيادة طارق الداوود، الذي يسعى لإعادة إنتاج نفوذ عائلته التاريخي المتمثل في فيصل الداوود، وسط بيئة محلية متماسكة ومؤيدة. تعتمد هذه الزعامة على روابط تقليدية وعائلية عميقة، وتحاول توسيع تحالفاتها لتشمل قوى سياسية محلية وإقليمية، مستفيدة من دعم إقليمي، خصوصًا من سوريا، التي تعتبر لاعبًا مؤثرًا في المشهد الدرزي اللبناني.
الداوودية تحاول خلق بديل سياسي يحافظ على دورها في قضاء راشيا، عبر تمتين تحالفاتها المحلية مع شخصيات مستقلة وقوى سياسية مناوئة للزعامة الجنبلاطية، ما يفتح معركة انتخابية ذات أبعاد متعددة.

التحالفات السياسية: خارطة معقدة تتجاوز الانتماءات العائلية

لا يقتصر الصراع في راشيا على أبعاد عائلية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى شبكة معقدة من التحالفات السياسية، التي تلعب فيها المصالح الحزبية والإقليمية دورًا بارزًا. فالزعامة الجنبلاطية تتقاطع مصالحها مع قوى لبنانية عدة لتشكيل جبهة انتخابية قوية، بينما تحاول الزعامة الداوودية استثمار روابطها التقليدية والدعم الخارجي لبناء تحالفات بديلة توازن نفوذ الجنبلاطية.

الأبعاد الإقليمية والدولية: لعبة نفوذ في ظلال التوترات اللبنانية

لا يمكن تجاهل تأثير الأبعاد الإقليمية والدولية على استحقاق 2026 في راشيا. فالتنافس بين القوى الإقليمية – السورية، الإسرائيلية، السعودية، والأمريكية – ينعكس بشكل مباشر على التحالفات داخل الطائفة الدرزية.
كما يشكل دور حزب الله وحلفائه عامل ضغط مستمر على المعادلات السياسية، حيث يسعى إلى ترسيخ نفوذه عبر دعم بعض القوى الدرزية، مما يزيد من تعقيد التوازنات المحلية ويجعل من راشيا ساحة مواجهة سياسية محورية.

استحقاق مصيري: بين المحافظة على الهوية والسعي للتجديد

تشكل انتخابات 2026 في راشيا اختبارًا حقيقيًا لقدرة الزعامتين على التوازن بين التمسك بالموروث التقليدي والتجاوب مع التحولات السياسية والاجتماعية. هذه المعركة ليست مجرد انتخابات، بل هي صراع على تحديد هوية التمثيل الدرزي وموقعه في السياسة اللبنانية.

في النهاية، سيتحدد مستقبل القاعدة الدرزية في لبنان من خلال قدرة كل طرف على تعبئة قواعده، وتكوين تحالفات منتجة، وإقناع الناخبين بخياراتهم، في انتخابات قد تغيّر بشكل جذري ملامح الزعامة الدرزية.

اخبار ذات صلة